الشعر جنان آسرة أخاذة متوانية عن الواقع، المكتظ بالأحداث المشابة بالأوحال والأدغال، معالمها، أفنانها وأقنانها، في قرارة نفسه، فبداخله يعيش حياة هادئة مطمئنة للشعر وبالشعر، واحاتها تجرى من تحتها أنهار من البلاغة الصافية الناضحة بالسؤدد، بها شموخ الشعر، وعنفوان الشعر، صوره المرسومة بالبيان تتلاحق كالأنفاس، تتراكم تتعانق تلتحف تغرورق في وجدانه كشاعر وناقد، الشاعر الأديب دده محمد الأمين السالك ولد سنة 1954 في موضع بوخزامه شمال شرقي مدينة النعمة عاصمة الحوض الشرقي، درس القرآن وعلومه في سن مبكرة، درس الفقه والنحو وحفظ الكثير من مختارات الشعر الجاهلي، وصدر الإسلام والشعر النهضة، كان قارئا شغوفا بالمطالعة ولا يزال، هو من أكبر رواة الشعر، موسوعة في شتى الفنون الجميلة التي ترسم بشكل أدبي، حتى أن له أو به تنضح الموسوعات التي لها رؤاها المحفوظة في شأن الموسيقى الموريتانية وتطويرها، ككاتب وإعلامي وشاعر، نهل من الثروة اللغوية والنحوية والفقهية التي استقاها من المحظرة، كاتب ومقدم للبرامج السياسية، كان محررا في جريدة المحرر الدولية التي كانت تصدر عبر الأقمار الصناعية في نيورك ولندن وسيدني، وباريس، اختارته مديرا لمكتبها في غرب إفريقيا حتى توقفت عن الصدور 1997، كذلك جريدة المتوسط الكندية... إلخ، عضو في اتحاد المؤرخين العرب، وعضو في اتحاد الصحفيين العرب، كاتب ومحرر في عدد من كبريات الصحف الوطنية.
حدثنا عن الأدب الموريتاني بشكل عام خلال هذا اللقاء.
-خلنا نسبر الواقع، نلامس الأدب الموريتاني الحقيقي بشكل موضوعي نبت فيه، نمس جراحه، من الموائد الأدبية التي كان تقام في جامعات الصحراء الموريتانية كما هو معروف عندنا منذ القدم وحتى الآن؟
أختي العزيزة هذا غاية في الروعة، من هنا يأتي الثراء، هناك حلقة كبيرة مفقودة بين ما كان وما نعيشه اليوم، حسب اطلاعي مدرسة الشعر الموريتانية أقامت عملية استنساخ لغوي أو ما يقال له مدرسة الجزيرة العربية، ما قبل الإسلام وصدر الإسلام، لذلك أتت القصيدة الموريتانية في ذاك الوقت قصيدة قاموسية لها جلالها وجمالها بإمكان المرء أن يسمع خمسين بيتا شعريا موزونا متكاملا دون أن يفهم من شطر واحد، نتيجة لثرائها وعمقها وقوتها في الصيغة والأسلوب، كل صورة تجعل المتلقي لابد أن يبحث في مدرجات قواميس اللغة كي يصله المعنى وهذا يعطي ثقافة باهظة لأي مهتم بهذا الجانب، فمثلا:
يا ذا الجلال وذا الإكرام تفريطي
فلا يكن سببا يوما لتوريطي
ولا تلطن باب التوب عن وجل
كما أصادف بابا غير ملطوطي
أينا اليوم يدرك أن الباب الملطوط يعني الباب المغلق. فالقصيدة عندنا ظلت قاموسية حتى جيل محمد ولد الطلبه وابن رازكه وغيرهم ممن سبقوا مراحل الاستقلال، أما ما بعد الاستقلال أخذت القاموسية في الشعر تختفي معالمها رويدا رويدا، أصبحت هنالك مجارات أو رحلة ما بين القديم والحديث يتعثر خلالها الشاعر الموريتاني.
-متى حدث الانفصام في الشعر الموريتاني لنقول أنها حلقة مفقودة؟
متى ما بدأت طفرات سياسية جديدة على البلد أحدثت ظروفا خانقة جعلت الشاعر يمتهن الشعر ليعيش عيشة طبيعية كباقي طبقات المجتمع المختلفة طبعا، مما حدى بالشعراء أن ينغمسوا في المناسبات أو ما يعرف بشعر المناسبات الرسمية وشعر المناسبات لا يحي إلا في إطار المناسبات فعند ما تنقضى المناسبة يموت مفهوم القصيدة وينقضى مشهدها، كذلك رغم مقومات شعبنا ومجتمعنا المثقف الأديب إلا أني أرى أن هنالك كسلا وتقاصرا عن إثراء وإنماء وإعطاء الصور الشعرية حقها في الإتراع والإبلاغ، فما أكثر الشعراء حينما نعدهم ونسمعهم، وما أقلهم عندما نتوقف عند الصور والمعاني، موريتانيا بلد مفعم بالشعر غارق به، تنبض أرضنا بالشعر وأحماله لا ينقصنا سوى القليل والقليل من الاهتمام بمهمتنا كشعراء أن نراعي ما نكتبه وما نسمعه ونراعي الاختيار، فالأجيال ما بعد القديمة لا تؤدى دورها في مد يد العون للأجيال الحديثة في الشعر والأجيال الحديثة في صراع مرير مع الأجيال القديمة من خلال العطاء، يريدون التنكر للأجيال القديمة والاستقلالية عنها والتميز عليها، وبقيت ثقافتنا الأدبية أكواما أكواما لا تجد رغم ثرائنا الثقافي الأدبي من ينهض بها رغم توفر وتواجد الإمكانيات والمعنويات، فعندنا مثلا القصيدة الأدبية الخالصة وعندنا القصيدة القصصية والقصيدة التي تأتي في قالب مسرحي وعندنا القصيدة الروائية وعندنا الشعر الحساني إذ لا اعتبره شعرا شعبيا، بل اعتبره نوع من تطور القصيدة الفصيحة جزء لا يتجزأ منها، فمثلا:
كتابي الذي اسميته "من جماليات الشعر الحساني" ودراسة نقدية يحمل نماذج من الشعر الحساني صادقة تثمن كلامي:
عيني تجري بالدمع اهتن
على النحر صبابة
عيني مبتدأ، وخبره الفعل المضارع، تجرى، بالدمع: جار ومجرور، اهتن: بمعنى هتون وهنا منصوبة على الحالية، على النحر: جار ومجرور، وصبابة: مفعول لأجله وهذا "الكاف" بمعنى البيت بالحسانية غريب في دقة التعبير، عن نفس محبة أضناها الوجد والوله، وقد يأتي "الكاف" معربا بكامله عربية فصيحة خالصة مثل:
رب فتاة قد سبت
أغلى فتي عاشق
تسبي قلوب من رأت
من عابد وفاسق
ومثل:
قد هيجت من كان بي
فتيت من العرب
تتلوا في حرب المكتب
تبت يدا أبي لهب
والأمثلة كثيرة.
-على ذكر الفتاة هل نقول ما يفعل بالشاعرة الموريتانية أو لا يجوز؟
الشاعرة الموريتانية أراها مضامة مخنوقة، فأنا أراها جزء لا يتجزأ من المجتمع، عليها ما عليه، ولها ما له، فالخروج عن دائرة ديننا الحنيف لا يجوز لرجل ولا امرأة، وما سوى ذلك أرى للشاعر أيا كان حريته الكاملة فيما يراه ويفعله، فأنا مثلا: ابنتي لا تتجاوز العاشرة من العمر تحاول كتابة الشعر مرة تكتب عني ومرة تكتب عن أمها، ومرة عن المدرسة، وأنا أوفر لها كل الموارد هي واخوتها في مكتبة البيت وأحدثهم على قراءة الشعر، لا يضيرني إذا كتبت شعرا وعبرت عن مشاريعها بطريقة لا تمس مبادئها ولا مكانتها الدينية وهذا مبدأ يجب أن نكون عليه جميعا، فليس هنالك ما يحرم على المرأة أن تقول الشعر، فحتى عندنا في موروثنا الأثري ما قبل الإسلام وما بعده كولادة وغيرها والخنساء الشواعر العربيات معروفات في كل العصور حتى في عصرنا هذا، ما ذنب الشاعرة الموريتانية أو المرأة الموريتانية أن تكون شاعرة، هذا جرم واغتيال للمواهب الشعرية النسائية في البلد، فلدينا مثلا: بات بنت البراء، وخديجة بنت عبد الحي رحمها الله، ماذا هناك البقية تأتي كما تعلمين.
-لنتكلم عن كتابك "سحر البيان" قليلا ومحاوره؟
والله "سحر البيان" 3 فصول، الفصل الأول يتكلم عن ملامح واتجاهات القصيدة الموريتانية الحديثة، وقد تناولت فيه أجيال السبعينات والثمانينات والتسعينات من القرن العشرين، وتعرضت لشعراء من هذه الفترة اعتبرتهم نماذجا لأجيال، الفصل الثاني الأطلال في القصيدة الموريتانية، وقد تناولت فيه كوكبة من فرسان القصيدة الطللية الذين سجلوا في شعرهم الأوراق الثبوتية لبلادهم، الفصل الثالث: الشعر الحساني ومراحل تطوره عبر العصور، تناولت فيه نشئت هذا النوع من الأدب وتطوره وبواكره، مقارنا بين تطور البيت الحساني "الكاف" وتطور البيت الفصيح، ثم بينت كيف استفاد الشعر الحساني في بنيته من الموشحة الأندلسية، كما تعرضت للبعد البلاغي والرئيوي للشعر الحساني وقدرته على الإجاز واختزال المعاني مبينا التشابه بين التقطيع الموسيقي في كل من البيت الحساني والبيت الفصيح وعلاقتهما معا بالموسيقى الموريتانية "أزوان
حدثنا عن الأدب الموريتاني بشكل عام خلال هذا اللقاء.
-خلنا نسبر الواقع، نلامس الأدب الموريتاني الحقيقي بشكل موضوعي نبت فيه، نمس جراحه، من الموائد الأدبية التي كان تقام في جامعات الصحراء الموريتانية كما هو معروف عندنا منذ القدم وحتى الآن؟
أختي العزيزة هذا غاية في الروعة، من هنا يأتي الثراء، هناك حلقة كبيرة مفقودة بين ما كان وما نعيشه اليوم، حسب اطلاعي مدرسة الشعر الموريتانية أقامت عملية استنساخ لغوي أو ما يقال له مدرسة الجزيرة العربية، ما قبل الإسلام وصدر الإسلام، لذلك أتت القصيدة الموريتانية في ذاك الوقت قصيدة قاموسية لها جلالها وجمالها بإمكان المرء أن يسمع خمسين بيتا شعريا موزونا متكاملا دون أن يفهم من شطر واحد، نتيجة لثرائها وعمقها وقوتها في الصيغة والأسلوب، كل صورة تجعل المتلقي لابد أن يبحث في مدرجات قواميس اللغة كي يصله المعنى وهذا يعطي ثقافة باهظة لأي مهتم بهذا الجانب، فمثلا:
يا ذا الجلال وذا الإكرام تفريطي
فلا يكن سببا يوما لتوريطي
ولا تلطن باب التوب عن وجل
كما أصادف بابا غير ملطوطي
أينا اليوم يدرك أن الباب الملطوط يعني الباب المغلق. فالقصيدة عندنا ظلت قاموسية حتى جيل محمد ولد الطلبه وابن رازكه وغيرهم ممن سبقوا مراحل الاستقلال، أما ما بعد الاستقلال أخذت القاموسية في الشعر تختفي معالمها رويدا رويدا، أصبحت هنالك مجارات أو رحلة ما بين القديم والحديث يتعثر خلالها الشاعر الموريتاني.
-متى حدث الانفصام في الشعر الموريتاني لنقول أنها حلقة مفقودة؟
متى ما بدأت طفرات سياسية جديدة على البلد أحدثت ظروفا خانقة جعلت الشاعر يمتهن الشعر ليعيش عيشة طبيعية كباقي طبقات المجتمع المختلفة طبعا، مما حدى بالشعراء أن ينغمسوا في المناسبات أو ما يعرف بشعر المناسبات الرسمية وشعر المناسبات لا يحي إلا في إطار المناسبات فعند ما تنقضى المناسبة يموت مفهوم القصيدة وينقضى مشهدها، كذلك رغم مقومات شعبنا ومجتمعنا المثقف الأديب إلا أني أرى أن هنالك كسلا وتقاصرا عن إثراء وإنماء وإعطاء الصور الشعرية حقها في الإتراع والإبلاغ، فما أكثر الشعراء حينما نعدهم ونسمعهم، وما أقلهم عندما نتوقف عند الصور والمعاني، موريتانيا بلد مفعم بالشعر غارق به، تنبض أرضنا بالشعر وأحماله لا ينقصنا سوى القليل والقليل من الاهتمام بمهمتنا كشعراء أن نراعي ما نكتبه وما نسمعه ونراعي الاختيار، فالأجيال ما بعد القديمة لا تؤدى دورها في مد يد العون للأجيال الحديثة في الشعر والأجيال الحديثة في صراع مرير مع الأجيال القديمة من خلال العطاء، يريدون التنكر للأجيال القديمة والاستقلالية عنها والتميز عليها، وبقيت ثقافتنا الأدبية أكواما أكواما لا تجد رغم ثرائنا الثقافي الأدبي من ينهض بها رغم توفر وتواجد الإمكانيات والمعنويات، فعندنا مثلا القصيدة الأدبية الخالصة وعندنا القصيدة القصصية والقصيدة التي تأتي في قالب مسرحي وعندنا القصيدة الروائية وعندنا الشعر الحساني إذ لا اعتبره شعرا شعبيا، بل اعتبره نوع من تطور القصيدة الفصيحة جزء لا يتجزأ منها، فمثلا:
كتابي الذي اسميته "من جماليات الشعر الحساني" ودراسة نقدية يحمل نماذج من الشعر الحساني صادقة تثمن كلامي:
عيني تجري بالدمع اهتن
على النحر صبابة
عيني مبتدأ، وخبره الفعل المضارع، تجرى، بالدمع: جار ومجرور، اهتن: بمعنى هتون وهنا منصوبة على الحالية، على النحر: جار ومجرور، وصبابة: مفعول لأجله وهذا "الكاف" بمعنى البيت بالحسانية غريب في دقة التعبير، عن نفس محبة أضناها الوجد والوله، وقد يأتي "الكاف" معربا بكامله عربية فصيحة خالصة مثل:
رب فتاة قد سبت
أغلى فتي عاشق
تسبي قلوب من رأت
من عابد وفاسق
ومثل:
قد هيجت من كان بي
فتيت من العرب
تتلوا في حرب المكتب
تبت يدا أبي لهب
والأمثلة كثيرة.
-على ذكر الفتاة هل نقول ما يفعل بالشاعرة الموريتانية أو لا يجوز؟
الشاعرة الموريتانية أراها مضامة مخنوقة، فأنا أراها جزء لا يتجزأ من المجتمع، عليها ما عليه، ولها ما له، فالخروج عن دائرة ديننا الحنيف لا يجوز لرجل ولا امرأة، وما سوى ذلك أرى للشاعر أيا كان حريته الكاملة فيما يراه ويفعله، فأنا مثلا: ابنتي لا تتجاوز العاشرة من العمر تحاول كتابة الشعر مرة تكتب عني ومرة تكتب عن أمها، ومرة عن المدرسة، وأنا أوفر لها كل الموارد هي واخوتها في مكتبة البيت وأحدثهم على قراءة الشعر، لا يضيرني إذا كتبت شعرا وعبرت عن مشاريعها بطريقة لا تمس مبادئها ولا مكانتها الدينية وهذا مبدأ يجب أن نكون عليه جميعا، فليس هنالك ما يحرم على المرأة أن تقول الشعر، فحتى عندنا في موروثنا الأثري ما قبل الإسلام وما بعده كولادة وغيرها والخنساء الشواعر العربيات معروفات في كل العصور حتى في عصرنا هذا، ما ذنب الشاعرة الموريتانية أو المرأة الموريتانية أن تكون شاعرة، هذا جرم واغتيال للمواهب الشعرية النسائية في البلد، فلدينا مثلا: بات بنت البراء، وخديجة بنت عبد الحي رحمها الله، ماذا هناك البقية تأتي كما تعلمين.
-لنتكلم عن كتابك "سحر البيان" قليلا ومحاوره؟
والله "سحر البيان" 3 فصول، الفصل الأول يتكلم عن ملامح واتجاهات القصيدة الموريتانية الحديثة، وقد تناولت فيه أجيال السبعينات والثمانينات والتسعينات من القرن العشرين، وتعرضت لشعراء من هذه الفترة اعتبرتهم نماذجا لأجيال، الفصل الثاني الأطلال في القصيدة الموريتانية، وقد تناولت فيه كوكبة من فرسان القصيدة الطللية الذين سجلوا في شعرهم الأوراق الثبوتية لبلادهم، الفصل الثالث: الشعر الحساني ومراحل تطوره عبر العصور، تناولت فيه نشئت هذا النوع من الأدب وتطوره وبواكره، مقارنا بين تطور البيت الحساني "الكاف" وتطور البيت الفصيح، ثم بينت كيف استفاد الشعر الحساني في بنيته من الموشحة الأندلسية، كما تعرضت للبعد البلاغي والرئيوي للشعر الحساني وقدرته على الإجاز واختزال المعاني مبينا التشابه بين التقطيع الموسيقي في كل من البيت الحساني والبيت الفصيح وعلاقتهما معا بالموسيقى الموريتانية "أزوان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق